المسيحيون في قارة آسيا: عددهم، توزعهم، وتاريخهم
تعد قارة آسيا أكبر قارة في العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتحتوي على تنوع ديني ثقافي كبير. من بين الأديان المنتشرة في آسيا، يعتبر المسيحية أحد الأديان التي تشهد تواجداً ملحوظاً، رغم أن المسلمين والبوذيين والهندوس يشكلون أغلبية سكانها. ولكن المسيحيين في آسيا يشكلون جزءاً مهماً من النسيج الديني والثقافي في العديد من البلدان الآسيوية. في هذا المقال، سنستعرض عدد المسيحيين في قارة آسيا، توزعهم الجغرافي، تاريخهم، وأهم التحديات التي يواجهونها.
عدد المسيحيين في قارة آسيا
تتراوح تقديرات عدد المسيحيين في قارة آسيا بين 300 و400 مليون شخص، وهو ما يمثل حوالي 10-12% من إجمالي سكان القارة. يعتبر هذا الرقم ضئيلاً مقارنة بالأديان الأخرى في آسيا، إلا أن المسيحية تظل واحدة من الأديان التي تشهد نمواً ملحوظاً في بعض المناطق الآسيوية.
توزع المسيحيين في آسيا
يتوزع المسيحيون في آسيا بشكل غير متساوٍ بين مختلف البلدان، حيث يوجد تواجد كبير في بعض الدول الصغيرة والعزلاء جغرافياً، بينما يكون التواجد أقل في الدول الكبرى ذات الغالبية غير المسيحية. سنسلط الضوء على أبرز هذه الدول:
1. الفلبين
تعد الفلبين أكبر دولة مسيحية في قارة آسيا، حيث يشكل المسيحيون نحو 86% من السكان، ومعظمهم من الكاثوليك، بالإضافة إلى طوائف مسيحية أخرى مثل البروتستانت. يعود دخول المسيحية إلى الفلبين إلى القرن السادس عشر عندما وصل المبشرون الإسبان إلى الأرخبيل الفلبيني، وأصبحت الفلبين منذ ذلك الحين واحدة من أبرز الدول ذات الغالبية المسيحية في العالم.
2. كوريا الجنوبية
تعد كوريا الجنوبية من الدول الآسيوية التي تشهد زيادة في أعداد المسيحيين بشكل مستمر. يشكل المسيحيون نحو 30% من سكان كوريا الجنوبية، وتتوزع طوائفهم بين الكاثوليك والبروتستانت. بينما كانت المسيحية قد دخلت إلى كوريا في القرن 18 على يد المبشرين الأوروبيين، إلا أنها أصبحت تكتسب شعبية واسعة في القرن العشرين، وتعتبر اليوم أحد الأديان الرئيسية في البلاد.
3. الهند
تعتبر الهند دولة ذات تنوع ديني واسع، حيث يشكل المسيحيون حوالي 2.3% من إجمالي السكان، ويبلغ عددهم نحو 28 مليون شخص. يتركز المسيحيون في الهند بشكل أساسي في ولايات مثل كيرالا، ناغالاند، ميزورام، ومانيبور. يعود وجود المسيحية في الهند إلى العصور المبكرة بعد وصول القديس توما إلى الساحل الغربي للهند في القرن الأول الميلادي. كما أن هناك مجتمعات مسيحية قديمة مثل الكنيسة الهندية السريانية.
4. الصين
رغم أن الصين تعتبر من أكبر الدول التي تضم أغلبية غير مسيحية، إلا أن عدد المسيحيين فيها شهد زيادة ملحوظة في العقود الأخيرة. التقديرات تشير إلى أن هناك ما بين 60 إلى 100 مليون مسيحي في الصين، مع وجود نسبة كبيرة من البروتستانت. على الرغم من التحديات التي يواجهها المسيحيون في الصين بسبب القيود الحكومية على الأديان، إلا أن المسيحية شهدت نمواً كبيراً في المدن الصينية الكبرى والمناطق الريفية.
5. إندونيسيا
إندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، لكنها تضم أيضاً جالية مسيحية كبيرة. المسيحيون يشكلون حوالي 10% من سكان إندونيسيا، أي حوالي 30 مليون شخص. تنقسم الطائفة المسيحية في إندونيسيا بين الكاثوليك والبروتستانت، وأكبر تجمعات مسيحية توجد في جزيرة سولاويزي وجزر الملوك. يعود تاريخ المسيحية في إندونيسيا إلى العصور الاستعمارية الأوروبية.
6. اليمن ولبنان
لبنان يعتبر من الدول التي يوجد فيها تنوع ديني ملحوظ، حيث يمثل المسيحيون نحو 30% من السكان، ويعود هذا إلى تاريخ طويل من التواجد المسيحي في المنطقة. المسيحيون في لبنان ينتمون إلى عدة طوائف منها الموارنة، الأرثوذكس، والكاثوليك. أما في اليمن، فإن المسيحيين يشكلون نسبة ضئيلة جداً من السكان، حيث لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف.
تاريخ المسيحية في قارة آسيا
تاريخ المسيحية في آسيا طويل ومعقد. على الرغم من أن المسيحية بدأت في الشرق الأوسط مع ظهور يسوع المسيح، إلا أن عملية انتشارها إلى قارة آسيا كانت طويلة وصعبة. يعود بداية انتشار المسيحية في آسيا إلى القرن الأول الميلادي مع بعثات القديس توما الرسول، الذي يُقال أنه ذهب إلى الهند وأسّس الكنيسة في هناك. كما أن هناك دلائل على انتشار المسيحية في مناطق مثل إيران وتركيا في العصور القديمة.
خلال العصور الوسطى، كان المبشرون المسيحيون الأوروبيون يلعبون دوراً مهماً في نشر المسيحية في أجزاء من آسيا، وخاصة في جنوب الهند، والفلبين، وجزء من جنوب شرق آسيا. وفي الوقت نفسه، عانى المسيحيون في العديد من الدول الآسيوية من الاضطهاد والتمييز الديني، خاصة في الصين وكوريا واليابان.
التحديات التي يواجهها المسيحيون في آسيا
على الرغم من وجود مجتمعات مسيحية كبيرة في بعض الدول الآسيوية، إلا أن المسيحيين في آسيا يواجهون العديد من التحديات.
1. الاضطهاد الديني
يواجه المسيحيون في بعض الدول الآسيوية مثل الصين، باكستان، وكوريا الشمالية اضطهاداً دينيّاً. في بعض هذه الدول، يُمنع المسيحيون من ممارسة دينهم علنياً، وتتعرض الكنائس المسيحية للتدمير أو الإغلاق. في الهند، تزداد حدة الهجمات على المسيحيين من قبل الجماعات الهندوسية المتطرفة، مما يجعل من الصعب على المسيحيين ممارسة شعائرهم بحرية.
2. التحديات الاجتماعية
في بعض الدول الآسيوية، مثل الهند، يعاني المسيحيون من التمييز الاجتماعي بسبب دينهم، ويُنظر إليهم أحياناً على أنهم أقلية دينية غير مرغوب فيها. قد يتعرضون للتمييز في العمل أو التعليم، وفي بعض الحالات يتم استهدافهم في الهجمات الطائفية.
3. الاختلافات الطائفية
حتى داخل المجتمعات المسيحية في آسيا، هناك اختلافات طائفية بين الكاثوليك والبروتستانت، وبين الطوائف المختلفة في دول مثل الفلبين وكوريا الجنوبية. هذه الاختلافات قد تؤدي إلى صراعات داخلية بين الجماعات المسيحية نفسها.
الاستنتاج
تعد المسيحية جزءاً مهماً من النسيج الديني والثقافي في قارة آسيا. ورغم أن عدد المسيحيين في آسيا لا يتجاوز 12% من إجمالي السكان، إلا أنهم يساهمون بشكل كبير في التاريخ والدين في العديد من الدول الآسيوية. وفي الوقت الذي يواجه فيه المسيحيون تحديات كبيرة في بعض البلدان الآسيوية، إلا أن المسيحية تستمر في النمو والازدهار في أجزاء أخرى من القارة، خاصة في الفلبين وكوريا الجنوبية.
